Sunday, March 25

كيف تحسن الظن بالله



بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الكرام / أعضاء ومتصفحي منتديات السادة الأشراف السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : الحمد لله القائل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) والصلاة والسلام على خير الأنام القائل : ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) وإليكم هذه الكلمة في ( حسن الظن وسوء الظن )

إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث ) فإذا كان المسلم مستور الحال ولم يظهر منه فسادا أو معصية فسوء الظن به حرام وخير ما نبدأ به الظن المأمور به وهو حسن الظن بالله وبرسوله وبالإسلام والمسلمين والحديث : " أنا عند حسن ظن عبدي بي فليظن بي عبدي ما شاء " وحديث آخر : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله " أي يظن أنه سيغفر له ذنوبه وسيرحمه, فإن قوما أساؤوا الظن بربهم فأهلكهم .

وهنا يقول الإمام / الحسن البصري رحمه الله " إن قوما ألهتهم الأماني حتى ماتوا ولم يعملوا حسنة ويقول أحدهم : أنا أحسن الظن بربي, وقد كذبوا, فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل " فمن كان صادقا في ظنه بربه أن يدخله جنته فعليه بالإيمان والعمل الصالح, فإن صليت أو صمت أو تصدقت أو دعوت أو استغفرت فليكن ظنك أن الله يتقبل ويتجاوز وسيكون الله عند حسن ظنك به, وإياك والإهمال والتكاسل, ففي الحديث : " والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ".

ويقول الشيخ / صالح الفوزان وفقه الله : سوء الظن فيه تفصيل على النحو التالي‏ :

أولا ـ سوء الظن بالله تعالى كفر،
 قال تعالى ‏:‏ ‏{‏ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ‏}‏ ‏ وقال تعالى : ‏‏{‏ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا‏ }‏ ‏

ثانيا ـ سوء الظن بالمؤمنين والأبرياء وهذا لا يجوز
، لأنه ظلم للمؤمن والمطلوب من المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، وسوء الظن بالمسلم يسبب البغضاء بين المسلمين‏ .‏

ثالثا ـ سوء الظن بأهل الشر والفساد وهذا مطلوب؛ لأنه يسبب الابتعاد عنهم وبغضهم‏ .

ومن موسوعة ( نضرة النعيم ) تعريف سوء الظن : هو اعتقاد جانب الشر وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمِلُ الأمرين معاً .

وحكم سوء الظن : عد الإمام / ابن حجر سوء الظن بالمسلم من الكبائر الباطنة وقال : وهذه الكبائر مما يجب على المكلف معرفتها ليعالج زوالها لأن من كان في قلبه مرض منها لم يلق الله _ والعياذ بالله _ بقلب سليم, وهذه الكبائر يذم العبد عليها أعظم مما يذم على الزنا والسرقة وشرب الخمر ونحوها من كبائر البدن وذلك لعظم مفسدتها, وسوء أثرها ودوامه إذ أن آثار هذه الكبائر ونحوها تدوم بحيث تصير حالاً وهيئة راسخة في القلب, بخلاف آثار معاصي الجوارح فإنها سريعة الزوال, تزول بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية .

أقسام سوء الظن : وقد قسم سوء الظن إلى قسمين وهما من الكبائر :-

الأول – سوء الظن بالله ( وهو أبلغ في الذنب من اليأس والقنوط )
الثاني – سوء الظن بالمسلمين :
هو أيضاً من كبائر الذنوب وذلك أن من حكم بِشرّ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه والتواني في إكرامه وإطالة اللسان في عرضه وكل هذه مهلكات وكل من رأيته سيء الظن بالناس طالباً لإظهار معايبهم فاعلم أن ذلك لخبث باطنه وسوء طويته, فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه, والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه ولذلك قيل المسلم يستر وينصح والمنافق يهتك ويفضح .

قال / ابن قدامه المقدسي رحمه الله تعالى : ليس لك أن تظن بالمسلم شراً, إلا إذا انكشف أمراً لا يحتمل التأويل, فإن أخبرك بذلك عدل فمال قلبك إلى تصديقه, كنت معذوراً, لأنك لو كذبته كنت قد أسأت الظن بالمخبر فلا ينبغي أن تحسن الظن بواحد وتسيئه بآخر, بل ينبغي أن تبحث هل بينهم عداوة أو حسد, فتتطرق التهمة حينئذ بسبب ذلك .

علاجه : قال / ابن قدامه المقدسي رحمه الله تعالى : متى خطر لك خاطر سوء على مسلم, فينبغي أن تزيد في مراعاته وتدعو له بالخير, فإن ذلك يغيض الشيطان ويدفعه عنك وإذا تحققت هفوة مسلم, فانصحه في السر واعلم أن من ثمرات سوء الظن التجسس ( وهذا يوصل إلى هتك ستر المسلم )

الأسباب المعينه على حسن الظن :-1 – الدعاء .

2 – إنزال النفس منزلة الخير .
3- حمل الكلام على أحسن المحامل قال / أبو بكر الصديق و / عمر بن الخطاب الفاروق رضي الله عنهما لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً .

4 – التماس الأعذار للآخرين .

5 – تجنب الحكم على النيات ( وهذه مهمة جداً لأن النيات محلها القلب ولا يعلمها إلا الله عز وجل )

6 – استحضار آفات سوء الظن وعدم تزكية النفس .

رزقنا الله وإيكم حسن الظن بالله وحسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا به لأنه من صميم التوحيد وواجباته، وحسن الظن بالله هو ظنّ ما يليق بالله تعالى واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى، تحسين الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد، حقا إنه مسلك دقيق ومنهج وسط بين نقيضين لا يسلكه إلا من وفقه الله وجعل قلبه خالصاً له سبحانه، لذلك ينبغي أن يكون سمة لازمة يتجلى في حياة المؤمن وعند احتضاره وقرب موته وحسن الظن بالمؤمنين الظاهر صلاحهم واجب وقبله التعبد لله تعالى بحسن الظن به لأن الله تعالى عند حسن ظن عبده به اللهم ارزقنا حسن الظن بالله ثم بالمؤمنين ومن أهمية حسن الظن بأهل الدين والذي يجب أن لا نغفل عنه في وقتنا الحالي .

قال في نهاية المبتدئين : حسن الظن بأهل الدين حسن, ظاهر هذا أنه لا يجب, ظاهره أيضا أن حسن الظن بأهل الشر ليس بحسن, فظاهره لا يحرم, وظاهر قوله عليه السلام : { إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث } إن استمراء ظن السوء وتحقيقه لا يجوز, وأوله بعض العلماء على الحكم في الشرع بظن مجرد بلا دليل وليس بمتجه .

وروى / الترمذي عن / سفيان : الظن الذي يأثم به ما تكلم به, فإن لم يتكلم لم يأثم وذكر / ابن الجوزي قول / سفيان هذا عن المفسرين, ثم قال : وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به, وذكر قبل ذلك قول القاضي / أبي يعلى : إن الظن منه محظور وهو سوء الظن بالله, والواجب حسن الظن بالله عز وجل, وكذلك سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة محظور, وظن مأمور به كشهادة العدل, وتحري القبلة, وتقويم المتلفات, وأرش الجنايات, والظن المباح كمن شك في صلاته إن شاء عمل بظنه وإن شاء باليقين .

وروى / أبو هريرة مرفوعا : { إذا ظننتم فلا تحققوا } وهذا من الظن الذي يعرض في قلب الإنسان في أخيه فيما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه الظن المندوب إليه إحسان الظن بالأخ المسلم, فأما ما روي في حديث : { احترسوا من الناس بسوء الظن } فالمراد الاحتراس بحفظ المال مثل أن يقول : إن تركت بابي مفتوحا خشيت السراق انتهى كلام / القاضي .

ذكر / البغوي أن المراد بالآية سوء الظن ثم ذكر قول / سفيان, وذكر / القرطبي ما ذكره / المهدوي عن أكثر العلماء أن ظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز وإنه لا حرج بظن القبيح بمن ظاهره قبيح .

وقال / ابن هبيرة الوزير الحنبلي : لا يحل والله أن يحسن الظن بمن ترفض ولا بمن يخالف الشرع في حال .

وقال / البخاري في صحيحه ( باب ما يكون من الظن ) ثم روي عن [ ص : 46 ] عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا } وفي لفظ " ديننا الذي نحن عليه " قال / الليث بن سعد : كانا رجلين من المنافقين .

وعن / عبدالله بن عمرو الخزاعي عن أبيه قال : { دعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يبعثني بمال إلى / أبي سفيان يقسمه في قريش بمكة بعد الفتح فقال لي : التمس صاحبا فجاءني / عمرو بن أمية الضمري فقال : بلغني أنك تريد الخروج إلى مكة وتلتمس صاحبا قلت : أجل قال : فأنا لك صاحب قال : فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : قد وجدت صاحبا فقال من ؟ قلت / عمرو بن أمية الضمري فقال : إذا هبطت بلاد قومه فاحذره فإنه قد قال القائل : أخوك البكري ولا تأمنه قال : فخرجنا حتى إذا كنا بالأبواء قال : لي إني أريد حاجة إلى قومي بودان فتلبث لي قليلا قلت راشدا, فلما ولى ذكرت قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فشددت على بعيري حتى خرجت أوضعه, حتى إذا كنت بالأصافر إذا هو يعارضني في رهط قال : فأوضعت فسبقته فلما رآني قد فته انصرفوا, وجاءني فقال : كانت لي إلى قومي حاجة قلت : أجل قال : ومضينا حتى قدمنا مكة فدفعنا المال إلى / أبي سفيان }

رواه / أحمد و / أبو داود و / عبدالله بن عمرو وتفرد عنه / عيسى بن معمر مع ضعف / عيسى ورواه عن / عيسى / ابن إسحاق بصيغة عن, وترجم / أبو داود على هذا الخبر, وخبر / أبي هريرة الذي في الصحيحين { لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين }

باب ( في الحذر من الناس ) وقال أيضا في باب حسن الظن : ثم روي من رواية / شتير ولم يرو عنه غير / محمد بن واسع عن / أبي هريرة قال / نصر بن علي : عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { حسن الظن حسن العبادة } وكذا رواه / أحمد ثم روى / أبو داود خبر / صفية الذي في الصحيحين أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تزوره وهو معتكف وأن رجلين من الأنصار رأياهما فأسرعا فقال النبي : { على رسلكما إنها [ ص : 47 ] صفية بنت حيي فقالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال شرا }

قال / ابن عبدالبر في كتاب بهجة المجالس قال / عمر بن الخطاب : رضي الله عنه لا يحل لامرئ مسلم يسمع من أخيه كلمة يظن بها سوءا وهو يجد لها في شيء من الخير مخرجا وقال أيضا : لا ينتفع بنفسه من لا ينتفع بظنه .

وقال / أبو مسلم الخولاني : اتقوا ظن المؤمن فإن الله جعل الحق على لسانه وقلبه, وقد ذكرت في موضع آخر قوله : عليه السلام { اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله } رواه / الترمذي, وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم : { إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه } وسئل بعض العرب عن العقل فقال : الإصابة بالظنون ومعرفة مالم يكن بما كان وقال / علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لله در / ابن عباس إنه لينظر إلى الغيب من ستر رقيق قال / الشاعر :-

وأبغي صواب الظن أعلم أنه
= إذا طاش ظن المرء طاشت معاذره

وقال / ابن عباس : الجبن والبخل والحرص غرائز سوء يجمعها كلها سوء الظن بالله عز وجل وقال / الشاعر :-

وإني بها في كل حال لواثق
= ولكن سوء الظن من شدة الحب

وقال / المتنبي :-

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
= وصدق ما يعتاده من توهم

وقال / أبو حازم : العقل التجارب والحزم سوء الظن وقال / الحسن البصري : لو كان الرجل يصيب ولا يخطئ ويحمد في كل ما يأتي داخله العجب وقال / عبدالله بن مسعود أفرس الناس كلهم فيما علمت ثلاثة : العزيز في قوله لامرأته حين تفرس في / يوسف : { أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا } وصاحبة / موسى عليه السلام حين قالت [ ص : 48 ] { يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين } و / أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين تفرس في / عمر رضي الله عنه واستخلفه نظر / إياس بن معاوية يوما وهو بواسط في الرحبة إلى آجرة فقال : تحت هذه الآجرة دابة, فنزعوا الآجرة فإذا تحتها حية منطوية, فسئل عن ذلك فقال إني رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين الرحبة فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس, ونظر / إياس بن معاوية يوما إلى صدع في أرض فقال في هذا الصدع دابة, فنظر فإذا فيه دابة, فقال : الأرض لا تنصدع إلا عن دابة أو نبات قال / معن بن زائدة : ما رأيت قفا رجل قط إلا عرفت عقله وقال / وهب بن منبه خصلتان إذا كانتا في الغلام رجيت نجابته الرهبة, والحياء, ومر / إياس بن معاوية ذات ليلة بماء فقال أسمع صوت كلب غريب قيل : له كيف عرفت ذلك ؟ قال : لخضوع صوته وشدة صياح غيره من الكلاب, قالوا فإذا كلب غريب مربوط والكلاب تنبحه وقال / عمرو بن العاص أنا للبديهة و / معاوية للإناءة, و / المغيرة للمعضلات و / زياد لصغار الأمور وكبارها أراد / يوسف بن عمر بن هبيرة أن يولي / بكر بن عبدالله المزني القضاء فاستعفاه فأبى أن يعفيه فقال : أصلح الله الأمير ما أحسن القضاء قال كذبت قال : فإن كنت كاذبا فلا يحل لك أن تولي الكذابين وإن كنت صادقا فلا يحل لك أن تولي من لا يحسن وفي الصحيحين أو صحيح البخاري عن / عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما قال : { قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال / أبو بكر رضي الله عنه أمر / القعقاع وقال / عمر رضي الله عنه أمر / الأقرع بن حابس فقال / أبو بكر ما أردت إلا خلافي, فقال ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت [ ص : 49 ] أصواتهما فنزلت في ذلك : { يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله } حتى انقضت فما كان / عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه حتى يستفهمه }

وروى الحاكم في تاريخه عن / بشر بن الحارث يعني / الحافي قال : صحبة الأشرار أورثت سوء الظن بالأخيار وروي أيضا عن / أبي بكر بن عياش قال : لا يعتد بعبادة المفلس فإنه إذا استغنى رجع .

سوء الظن بالناس : يغلب على البعض من الناس اليوم خلق ذميم ربما ظنوه نوعاً من الفطنة وضرباً من النباهة وإنما هو غاية الشؤم بل قد يصل به الحال إلى أن يعيب على من لم يتصف بخلقه ويعده من السذاجة وما علم المسكين أن إحسان الظن بالآخرين مما دعا إليه ديننا الحنيفة فالشخص السيئ يظن بالناس السوء، ويبحث عن عيوبهم، ويراهم من حيث ما تخرج به نفسه أما المؤمن الصالح فإنه ينظر بعين صالحة ونفس طيبة للناس يبحث لهم عن الأعذار، ويظن بهم الخير قال تعالى : " وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتبِعُونَ إِلا الظن وَإِن الظن لَا يُغْنِي مِنَ الْحَق شَيْئا " ( سورة النجم : 28 ) وعليه فلا يجوز لإنسان أن يسيء الظن بالآخرين لمجرد التهمة أو التحليل لموقف، فإن هذا عين الكذب " إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث " [ أخرجه / البخاري و / مسلم و / الترمذي 2072 ] وقد نهى الرب جلا وعلا عباده المؤمنين من إساءة الظن بإخوانهم قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) [ سورة الحجرات : 12 ] وروى / الترمذي عن / سفيان : الظن الذي يأثم به ما تكلم به، فإن لم يتكلم لم يأثم وذكر / ابن الجوزي قول / سفيان هذا عن المفسرين ثم قال : وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس الظن ولو لم ينطق به وحكى / القرطبي عن أكثر العلماء : أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز، وأنه لا حرج في الظن القبيح بمن ظاهره القبيح وحسن الظن راحة للفؤاد وطمأنينة للنفس وهكذا كان دأب السلف الصالح رضي الله عنهم قال / عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملا ً ". وقال / ابن سيرين رحمه الله : " إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرا، فإن لم تجد فقل : لعل له عذرا لا أعرفه ". وانظر إلى الإمام / الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده فقال لــ / الشافعي : قوى الله ضعفك، قال / الشافعي : لو قوى ضعفي لقتلني، قال : والله ما أردت إلا الخير فقال الإمام : أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير وكان / سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول : " اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك ". وعن / الفضيل بن عياض عن / سليمان عن خيثمة قال : قال / عبدالله : " والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا خيرا من حسن الظن بالله تعالى " [ كتاب حسن الظن بالله - الجزء 1 صفحة : 96 ] إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين عن / أبي هريرة قال : قال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حسن الظن من حسن العبادة ) [ رواه / الحاكم و / أبو داود و / أحمد في مسنده ]

ومن سوء الظن بالمؤمنين : أنه قد تمر بالإنسان مواقف يُسيء بها الظن في الآخرين لدرجة اليقين بأنهم على خطأ وبعد فترة تتكشف الحقيقة ويجدهم مظلومين وإنه لم يكن يرى الحقيقة كما ينبغي " وما أجمل أن يؤثر الإنسان السلامة ويترك سؤ الظن بالغير ويترك تصيّد أخطاءهم والتجسس عليهم ولكن هناك من غلبه الشيطان وزيّن له سؤ عمله فراّه حسنا فتجده يتتبع الناس بسبب وبدون سبب, يُفني وقته في البحث عن الهفوات وتسقّط الزلات إنه أعزكم الله أشبه ما يكون بالذباب لا يقع إلا على القذر ولقد تمكن الشيطان من قلبه حتى جعله يستحسن مراقبة الناس ويطلب عيوبهم ويتتبع عثراتهم ويفسرها وفق هواه فيرميهم بما ليس فيهم يُشنّع على أخيه المسلم بسؤ الظن ويزعم أن مقصده الخير وفي الحقيقة مقاصد الخير لا تتحقق ولا تُبنى على سؤ الظن يقول عليه الصلاة والسلام : ( لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم, فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في بيته ) ويقول عيه الصلاة والسلام : ( المسلم يستر وينصح والمنافق يهتك ويفضح ) وليس من الإسلام أن تفرح بعثرة أخيك المسلم وتعلنها في الأفاق معتقداً إنها فطنة ونباهة منك مع أن الأجدر بالمسلم أن يحزن لخطأ أخيه وأن ينصحه في السر بعيداً عن أعين الناس وعن التشهير به وليس من الإسلام أن تتجسس وتكثر من ملاحظة الآخرين وتنقل كل ما تسمعه عنهم قال عليه الصلاة والسلام : ( كفى بالمرء كذباً أن يحدّث بكل ما سمع ) وحده مريض الصدر الذي يفهم الأمور وفق أفقه الضيّق وعقليته المحدودة ويجعلها حقائق يُحاج بها ويتجرأ بها على الغير .

ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد .

إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم : " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا ... ".

وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة : فرِّق تَسُد؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية .

من الأسباب المعينة على حُسن الظن هناك العديد من الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين، ومن هذه الأسباب :-
1) الدعاء : فإنه باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا .

2) إنزال النفس منزلة الغير : فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه : { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً } [ النور : 12 ] وأشعر الله عباده المؤمنين أنهم كيان واحد، حتى إن الواحد حين يلقى أخاه ويسلم عليه فكأنما يسلم على نفسه : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } [ النور : 61 ]

3) حمل الكلام على أحسن المحامل : هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم قال / عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً ".

وانظر إلى الإمام / الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده ، فقال لــ / الشافعي : قوى لله ضعفك، قال / الشافعي : لو قوى ضعفي لقتلني، قال : والله ما أردت إلا الخير فقال الإمام : أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير .

4) التماس الأعذار للآخرين : فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا : التمس لأخيك سبعين عذراً .

وقال / ابن سيرين رحمه الله : إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا، فإن لم تجد فقل : لعل له عذرًا لا أعرفه إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك :-

تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا
= لعل له عذرًا وأنت تلوم

5) تجنب الحكم على النيات : وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، والله لم يأمرنا بشق الصدور، ولنتجنب الظن السيئ .

6) استحضار آفات سوء الظن : فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه : { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } [ النجم : 32 ]

وأنكر سبحانه على اليهود هذا المسلك : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً } [ النساء : 49 ]

إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك، خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم، وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين .

وحسن الظن في الله : قال / أحد الأعراب لــ / ابن عباس رضي الله عنهما : من يحاسب الناس يوم القيامة ؟ فقال : يحاسبهم الله عز وجل فقال / الأعرابي : نجونا ورب الكعبة فقيل له : وكيف ذاك فقال : إن الكريم لا يدقق الحساب فتأمل يا رعاك الله وهل إذا لم يدقق الله في الحساب نتمادى في الذنوب ؟ اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك وبإخواننا المسلمين رزقنا الله قلوبًا سليمة وأعاننا على إحسان الظن بإخواننا والحمد لله رب العالمين هذا ما استطعت جمعه لكم في حسن الظن بالله وسوء الظن بالمسلمين ولأهمية الموضوع ولأنه يستدرج بعض الكبائر مثل الغيبة والنميمة رأينا كتابته لكم فإن أحسنا فمن الله وحده لا شريك له وإن أسأنا فمن أنفسنا والشيطان اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا واجعلنا ممن يحسنون الظن بك وباخواننا المؤمنين اللهم اجعل عملنا هذا خالصاً لوجهك الكريم وارزقنا العلم النافع والعمل الصالح أسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حسن الختام اللهم توفنا غير مفتونين وأنت راض عنا اللهم آمين والله تعالى أعلم وأحكم وصلى الله على محمد وعلى اّله وصحبه أجمعين . هذا والله يحفظكم ويرعاكم منقول بتصرف مع خالص التحية وأطيب الأمنيات وأنتم سالمون وغانمون والسلام .

No comments: